فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الثعالبي:

واختلف العلماء في المراد بقوله: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ الله فأولئك هُمُ الكافرون}.
فقالتْ جماعة: المرادُ: اليهودُ بالكافرين والظَّالمين والفاسِقِينَ؛ وروي في هذا حديثٌ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ طريق البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ؛ قال الفَخْر: وتمسَّكت الخوارجُ بهذه الآية في التكْفِير بالذَّنْب، وأجيبَ بأنَّ الآية نزلَتْ في اليهود، فتكون مختصَّة بهم، قال الفَخْر: وهَذا ضعيفٌ؛ لأن الاعتبار بعمومِ اللفظِ، لا بخصوصِ السبَبِ.
قلْتُ: وهذه مسألةُ خلافٍ في العامِّ الوارِدِ على سببٍ، هَلْ يبقى على عمومه، أو يُقْصرُ على سببه؟ انتهى.
وقالتْ جماعة عظيمةٌ من أهل العلمِ: الآيةُ متناولة كلَّ مَنْ لم يحكُمْ بما أنزل اللَّه، ولكنَّها في أمراء هذه الأمَّة كُفْرُ معصية؛ لا يخرجهم عن الإيمان، وهذا تأويلٌ حسن، وقيل لحذيفة بْنِ اليَمَان: أنزلت هذه الآية في بني إسرائيل، فقال: نِعْمَ الإخْوَةُ لَكُمْ بَنُو إسْرَائِيلَ، إنْ كَانَتْ لَكُمْ كُلُّ حُلْوَةٍ، وَلَهُمْ كُلُّ مُرَّةٍ، لَتَسْلُكُنَّ طَرِيقَهُم قِدَى الشِّرَاكِ. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

وفصل الخطاب: أن من لم يحكم بما أنزل الله جاحدًا له، وهو يعلم أن الله أنزله، كما فعلت اليهود، فهو كافر، ومن لم يحكم به ميلًا إِلى الهوى من غير جحود، فهو ظالم وفاسِق.
وقد روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال: من جحد ما أنزل الله فقد كفر، ومَن أقرَّ به ولم يحكم به فهو فاسق وظالم. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ الله فأولئك هُمُ الكافرون} و{الظَّالِمُونَ} و{الْفَاسِقُونَ} نزلت كلها في الكفار؛ ثبت ذلك في صحيح مسلم من حديث البراء، وقد تقدّم.
وعلى هذا المعظَم.
فأما المسلم فلا يكفر وإن ارتكب كبيرة.
وقيل: فيه إضمار؛ أي ومن لم يحكم بما أنزل الله ردّا للقرآن، وحجدا لقول الرسول عليه الصلاة والسلام فهو كافر؛ قاله ابن عباس ومجاهد، فالآية عامة على هذا.
قال ابن مسعود والحسن: هي عامة في كل من لم يحكم بما أنزل الله من المسلمين واليهود والكفار أي معتقدًا ذلك ومستحِلًا له؛ فأمّا من فعل ذلك وهو معتقد أنه راكب محرّمٍ فهو من فساق المسلمين، وأمره إلى الله تعالى إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له.
وقال ابن عباس في رواية: ومن لم يحكم بما أنزل الله فقد فعل فعلًا يضاهي أفعال الكفار.
وقيل: أي ومن لم يحكم بجميع ما أنزل الله فهو كافر؛ فأما من حكم بالتوحيد ولم يحكم ببعض الشرائع فلا يدخل في هذه الآية، والصحيح الأوّل، إلا أن الشّعبي قال: هي في اليهود خاصة، واختاره النحاس؛ قال: ويدل على ذلك ثلاثة أشياء؛ منها أن اليهود قد ذُكِروا قبل هذا في قوله: {لِلَّذِينَ هَادُواْ} فعاد الضمير عليهم، ومنها أن سياق الكلام يدل على ذلك؛ ألا ترى أن بعده {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ} فهذا الضمير لليهود بإجماع؛ وأيضًا فإن اليهود هم الذين أنكروا الرّجم والقصاص.
فإن قال قائل: من إذا كانت للمجازاة فهي عامة إلا أن يقع دليل على تخصيصها؟ قيل له: من هنا بمعنى الذي مع ما ذكرناه من الأدلة؛ والتقدير: واليهود الذين لم يحكموا بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون؛ فهذا من أحسن ما قيل في هذا؛ ويروى أن حُذَيفة سئل عن هذه الآيات أهي في بني إسرائيل؟ قال: نعم هي فيهم، ولتسلُكنّ سبيلهم حذو النعل بالنعل.
وقيل: {الكافرون} للمسلمين، و{الظالمون} لليهود، و{الفاسقون} للنصارى؛ وهذا اختيار أبي بكر بن العربي، قال: لأنه ظاهر الآيات، وهو اختيار ابن عباس وجابر بن زيد وابن أبي زائدة وابن شُبْرمة والشعبي أيضًا.
قال طاوس وغيره: ليس بكفر ينقل عن الملة، ولكنه كفر دون كفر، وهذا يختلف إن حكم بما عنده على أنه من عندالله، فهو تبديل له يوجب الكفر؛ وإن حكم به هوىً ومعصية فهو ذنب تدركه المغفرة على أصل أهل السنة في الغفران للمذنبين.
قال القُشَيري: ومذهب الخوارج أن من ارتشى وحكم بغير حكم الله فهو كافر، وعُزِي هذا إلى الحسن والسُّدي.
وقال الحسن أيضًا: أخذ الله عز وجل على الحكام ثلاثة أشياء: ألاّ يتّبعوا الهوى، وألاّ يخشوا الناس ويخشوه، وألاّ يشتروا بآياته ثمنًا قليلًا. اهـ.

.قال البيضاوي:

{وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ الله} مستهينًا به منكرًا له. {فأولئك هُمُ الكافرون} لاستهانتهم به وتمردهم بأن حكموا بغيره، ولذلك وصفهم بقوله: {الكافرون} و{الظالمون} و{الفاسقون}، فكفرهم لإِنكاره، وظلمهم بالحكم على خلافه، وفسقهم بالخروج عنه. ويجوز أن يكون كل واحدة من الصفات الثلاث باعتبار حال انضمت إلى الامتناع عن الحكم به ملائمة لها، أو لطائفة كما قيل هذه في المسلمين لاتصالها بخطابهم، والظالمون في اليهود، والفاسقون في النصارى. اهـ.

.قال الطبري:

قوله عز ذكره: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُون (44)}.
يقول تعالى ذكره: ومن كتم حُكم الله الذي أنزله في كتابه وجعله حكمًا يين عباده، فأخفاه وحكم بغيره، كحكم اليهود في الزانيين المحصنين بالتجبيه والتحميم، وكتمانهم الرجم، وكقضائهم في بعض قتلاهم بدية كاملة وفي بعض بنصف الدية، وفي الأشراف بالقِصاص، وفي الأدنياء بالدية، وقد سوَّى الله بين جميعهم في الحكم عليهم في التوراة {فأولئك هم الكافرون}، يقول: هؤلاء الذين لم يحكموا بما أنزل الله في كتابه، ولكن بدَّلوا وغيروا حكمه، وكتموا الحقَّ الذي أنزله في كتابه {هم الكافرون}، يقول: هم الذين سَتَروا الحق الذي كان عليهم كشفه وتبيينُه، وغطَّوه عن الناس، وأظهروا لهم غيره، وقضوا به، لسحتٍ أخذوه منهم عليه.
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل {الكفر} في هذا الموضع.
فقال بعضهم بنحو ما قلنا في ذلك، من أنه عنى به اليهود الذين حَرَّفوا كتاب الله وبدَّلوا حكمه.
وقال بعضهم: عنى بالكافرين، أهل الإسلام، وبالظالمين اليهود، وبالفاسقين النصارى.
وقال آخرون: بل عنى بذلك: كفرٌ دون كفر، وظلمٍ دون ظلم، وفسقٌ دون فسق.
وقال آخرون: بل نزلت هذه الآيات في أهل الكتاب، وهى مرادٌ بها جميعُ الناس، مسلموهم وكفارهم.
وقال آخرون: معنى ذلك: ومن لم يحكم بما أنزل الله جاحدًا به. فأما الظلم والفسق، فهو للمقرِّ به.
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قولُ من قال: نزلت هذه الآيات في كفّار أهل الكتاب، لأن ما قبلها وما بعدها من الآيات ففيهم نزلت، وهم المعنيُّون بها. وهذه الآيات سياقُ الخبر عنهم، فكونُها خبرًا عنهم أولى.
فإن قال قائل: فإن الله تعالى ذكره قد عمَّ بالخبر بذلك عن جميع منْ لم يحكم بما أنزل الله، فكيف جعلته خاصًّا؟
قيل: إن الله تعالى عَمَّ بالخبر بذلك عن قومٍ كانوا بحكم الله الذي حكم به في كتابه جاحدين، فأخبر عنهم أنهم بتركهم الحكمَ، على سبيل ما تركوه، كافرون. وكذلك القولُ في كل من لم يحكم بما أنزل الله جاحدًا به، هو بالله كافر، كما قال ابن عباس، لأنه بجحوده حكم الله بعدَ علمه أنه أنزله في كتابه، نظير جحوده نبوّة نبيّه بعد علمه أنه نبيٌّ. اهـ. باختصار.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ الله فأولئك هُمُ الكافرون}.
اختلف العلماء في هذه الآية الكريمة: هل هي في المسلمين، أو في الكفّار، فروي عن الشعبي أنها في المسلمين، وروي عنه أنها في اليهود، وروي عن طاوس أيضًا أنها في المسلمين، وأن المراد بالكفر فيها كفر دون كفر، وأنه ليس الكفر المخرج من الملة، وروِي عن ابن عباس في هذه الآية أنه قال: ليس الكفر الذي تذهبون إليه، رواه عنه ابن أبي حاتم، والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، قاله ابن كثير.
قال بعض العلماء: والقرآن العظيم يدل على أنها في اليهود، لأنه تعالى ذكر فيما قبلها أنهم {يحرفون الكلم من بعد مواضعه}، وأنهم يقولون {إن أوتيتم هذا} يعني الحكم المحرف الذي هو غير حكم الله: {فخذوه وإن لم تؤتوه} أي المحرف، بل أوتيتم حكم الله الحق {فاحذروا} فهم يأمرون بالحذر من حكم الله الذي يعلمون أنه حق.
وقد قال تعالى بعدها {يُحَرِّفُونَ الكلم مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ} [المائدة: 41]، وأنهم يقولون {إِنْ أُوتِيتُمْ هذا} [المائدة: 41] يعني الحكم المحرف الذي هو غير حكم الله: {فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ} [المائدة: 41] أي المحرف، بل أوتيتم حكم الله الحق {فاحذروا} فهم يأمرون بالحذر من حكم الله الذي يعلمون أنه حق.
وقد قال تعالى بعدها {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النفس بالنفس} [المائدة: 45] الآية، فدل على أن الكلام فيهم، وممن قال بأن الآية في أهل الكتاب، كما دل عليه ما ذكر البراء بن عازب، وحذيفة بن اليمان، وابن عباس، وأبو مجلز، وأبو رجاء العطاردي، وعكرمة وعبيد الله بن عبد الله، والحسن البصري وغيرهم، وزاد الحسن، وهي علينا واجبة نقله عنهم ابن كثير، ونقل نحو قول الحسن عن إبراهيم النخعي.
وقال القرطبي في تفسيره: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ الله فأولئك هُمُ الكافرون} [المائدة: 44]- و{الظالمون} [المائدة: 45] و{الفاسقون} [المائدة: 47] نزلت كلها في الكفّار، ثبت ذلك في صحيح مسلم من حديث البراء، وقد تقدم وعلى هذا المعظم، فأما المسلم فلا يكفر وإن ارتكب كبيرة، وقيل فيه إضمار، أي {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ الله} ردًا للقرآن وجحدًا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم فهو كافر، قاله ابن عباس ومجاهد.
فالآية عامةً على هذا قال ابن مسعود، والحسن: هي عامة في كل من لم يحكم بما أنزل الله من المسلمين واليهود والكفّار، أي معتقدًا ذلك ومستحلًا له.
فأما من فعل ذلك، وهو معتقد أنه مرتكب محرمٍ فهو من فساق المسلمين وأمره إلى الله تعالى إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له.
وقال ابن عباس في رواية: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ الله} فقد فعل فعلًا يضاهي أفعال الكفّار، وقيل: أي ومن لم يحكم بجميع ما أنزل الله فهو كافر فأما من حكم بالتوحيد، ولم يحكم ببعض الشرائع فلا يدخل في هذه الآية، والصحيح الأول إلا أن الشعبي قال: هي في اليهود خاصة، واختاره النحاس قال: ويدل على ذلك على ثلاثة أشياء. منها أن اليهود قد ذكروا قبل هذا في قوله تعالى: {لِلَّذِينَ هَادُواْ} [المائدة: 44] فعاد الضمير عليهم.
ومنها أن سياق الكلام يدل على ذلك. ألا ترى أن بعده {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 45]، فهذا الضمير لليهود بإجماع. وأيضًا فإن اليهود هم الذين أنكروا الرجم والقصاص، فإن قال قائل من إذا كانت للمجازاة فهي عامة إلا أن يقع دليل على تخصيصها قيل له: من هنا بمعنى الذي، مع ما ذكرناه من الأدلة والتقرير: واليهود الذين لم يحكموا بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون، فهذا من أحسن ما قيل في هذا.
ويروى أن حذيفة سئل عن هذه الآيات، أهي في بني إسرائيل، فقال: نعم هي فيهم، ولتسلكن سبيلهم حذو النعل بالنعل، وقيل: {الكافرون} للمسلمين، و{الظالمون} لليهود و{الفاسقون} للنصارى، وهذا اختيار أبي بكر بن العربي، قال: لأنه ظاهر الآيات، وهو اختيار ابن عباس، وجابر بن زيد، وابن أبي زائدة، وابن شبرمة والشعبي أيضًا. قال طاوس وغيره: ليس بكفر ينقل عن الملة، ولكنه كفر دون كفر.